الاسلام السياسي في أندونسيا وماليزيا: ازدياد التطرف
Tuesday, May 15, 2007
في ماليزيا وأندونيسيا كَانتْ عبارة التحية التقليدية هي "سلامات پاجي" أَو "صباح الخير." والآن وبصورة متزايدة إستبدلت عبارة التحية هذه بـ"السلام عليكم" العربية. وقبل سَنَوات قَليلة، إقترحَ عبد الرحمن وحيد وهو رئيس سابقَ ورجلَ دين مؤثرَ بأن يَرْجع الأندونيسيون إلى التحية المألوفةِ، فأثار ذلك غيظ الزعماء الإسلاميينِ المحافظِين في أندونيسيا.وقد يَكُونَ هذا بمثابة رأس الكتلة الجليديةَ للتغييراتِ العميقةِ التي تَحْدثُ في جنوب شرق آسيا الإسلامية (أي أن ما خفي كان أعظم)، ولَرُبَّما تكون لَهذه التغيرات تأثيرات على الدول الأخرى في كافة أنحاء المنطقة.
"تعريب" الإسلامِ
إن ما يدعم الهويةِ الإسلاميةِ الجديدةِ هو عمليةُ التحويل الدائبة حيث تَتدفّق الأفكار والممارسات والتمويل المالي مِنْ العالمِ العربيِ. ويَجْلبُ هذا التحويلُ معه النزاعاتَ - لَيستْ فقط في داخل الإسلامِ في ما يتعلق بالتفسيرِ الصحيحِ للدين وطريقةِ الحياة المرغوبةِ، لكن أيضاً بين المسلمين والآخرين في مجتمعاتِ متنوعة عُرِفَتْ عادةً بالتسامح والإنسجام مثل ماليزيا وأندونيسيا، حيث وَصلَ الإسلامَ مرّة، في الغالب بسلام،عن طريق التجارةِ.
إن عمليةِ المجانسة هذه أَو "تعريب" الإسلامِ، تركز على الطقوسَ ونظامَ السلوك أكثر مِنْ تركيزها على الجوهر. وهو أمر ناجم عن "المذهب الوهابي" الذي هو فرع صارم مِنْ الإسلامِ تُصدّره وتدْعمهُ حكومةِ المملكة العربية السعودية. إن الوهابية مُتميّزةُ في طبيعتِها التدميريةِ حيث يستعمل الدينِ من قبل الدولةِ من أجل مآرب سياسيةِ. وعلى خلاف التقاليدِ الأخرى التي تتسع لوجهاتِ نظر مُعَارِضَة، يَدّعي الوهابيون إمتِلاك رؤيةَ لـ"الإسلام الحقيقي" غير قابلة للنقاش.
إن إجتياح صيغة الإسلام العربيِة الوهابيِة والسلفية لجنوب شرق آسيا وأماكن أخرى أدّت إلى إصرار مُتزايد من قبل الأصوليين. بالنسبة لهم، إن معْرِفة القرآنِ تُغْني المرء عن معرفة أي شيءَ آخر. هناك إله واحد فقط، وكتاب واحد، و طريقِ واحد للخلاص/الفلاح، والعقائد المقدّسة لا يُمْكن أنْ يُشْكَّ بها.
تَقُودُ مثل هذه الرؤيةِ للإسلام المؤمنين إلى إعتِبار الدين حقيقةَ مُطلقةَ، وأن كُلّ الأديان الأخرى على ضلال وأنه لا يُمْكِنُ أَنْ يكون هناك نقطة إلتقاء بين المسلمين وغير المسلمين. لا يجوز الحوار أو النِقاش أَو التفكير في ظل مثل هذه النسخةِ من الإسلامِ القروسطي (إسلام القرون الوسطى).
الإسلام والتقاليد المحلية
إن ميزّة الإسلامِ الأكثر جَذْباً قبل عمليةِ التعريبِ كَانتْ قدرتَه على الإمتِزاج مع التقاليدِ والممارساتِ المحليّةِ مما جعله يتمتع بخاصية توفيقية وشاملة تبيح التسامح وإحترامِ الأديانِ الأخرى. لقد أتاح مَزْج الإعتقاداتِ والعاداتِ الأصليةِ بالدين الإسلامي تطورِ المسرحِ الشعبيِ مثل مسرح الظلّ أو "وَيْوانْگ"، والذي يعتمد على قصصِ مِنْ الملاحمِ الهندوسيةِ، ويُحوّلُها إلى تقاليدِ ثقافيةِ أصليةِ.
على أي حال، تَغيّرتْ طبيعةَ الإسلامِ بشكل مثير خلال العقود الثلاثة الماضية في ماليزيا وإلى حَدّ ما في أندونيسيا. وقد تم حظر الـ "وَيْوانْگ" في ولايةِ كيلانتان الماليزية لإعتبارها "غير إسلامية." وفي أندونيسيا، ما زالَ الـ وَيْوانْگ يشكل جزءاً مِنْ الثقافةِ الجاويةِ على الرغم مِنْ ضغوطِ مِنْ المسلمين الأكثرِ محافظةً.
لقد سَمحَ تنوع المشهد الأندونيسي - من ناحية الإنتماء العرقي والثقافي والمعتقدات الدينية بالإضافة إلى إسلامٍ مشاكس- لتلك البلادِ بمُزَاوَلَة العلمانيةِ وسط ضغوطِ المجموعاتِ الأكثر أصولية لتَبنّي الشريعةِ، أَو القانون الإسلامي.
ولكن العِلاقاتَ الإجتماعية بينَ الأفراد المنتمين الى أديان مختلفة في المجتمعِ الأندونيسي تَتغيّرُ ببطء. قبل فترة ليست ببعيدة كان الأندونيسيون من معتقداتِ مختلفةِ يشاركون بعضهم الآخرِ في الإحتفالات الدينيةِ. ويقال إن رجالُ الدين المسلمين لجأوا إلى "الفتاوى" ضدّ مثل هذه الإختلاط الإجتماعي بينِ الأديان حتى في المكاتبِ.
وقد رَوى لي رجلُ أعمال مسيحيُ أندونيسيُ صدمتُه المرّةُ عندما خَرج موظفون مسلمون في منتصف التسعيناتِ عن التقاليد فجأة ورَفضوا الظهور مَع زملائهمِ في صورة لبطاقةِ تهنئة رأس السنة للشركةَ.
بينما في ماليزيا لا يستطيع أحدٌُ الزَواج من مسلمة بدون إعتناق الإسلامِ، كَانتْ مثل هذه الزيجاتِ شائعة جداّ في يوم ما في أندونيسيا. ولكن تتعرض اليوم تلك الزيجاتِ إلى غضبَ المجموعاتِ الإسلاميةِ المحافظةِ.
وعاظ باكستانيون
إن التحدي الرئيس الأول الذي طرأ على الأسلوبِ الأندونيسيِ للإسلامِ حدث في القرن الثامن عشرِ، على شكل حركة لتَنْقِية الإسلامِ بإزالة الإنحرافاتِ التي زَحفَت إلى الدين جَرّاء التقاليد المحليَّة. يتجلى هذا الصراع في داخل الإسلامِ في القرنِ العشرينِ في أندونيسيا في الإنقسام بين المنظمتين السياسيتينِ الإسلاميتينِ: ما سيومي و نهضة العلماء (علماء ناهداتول) وتدعو ماسيومي لتَنْقِية الإسلامِ وأما نهضة العلماء فإنهاِ تدعم مَزْج الإسلامِ بالتقاليدِ المحليّةِ.
عندما حُرّرَ التعليم في الستّيناتِ، دَرسَ عدد كبير من الأندونيسيين في الخارج. وذَهبَ الطلابُ الدينيون إلى الشرق الأوسطِ، حيث دَرس الكثير منهم الوهابيةً والتعاليم السلفية. ووَصل الوعّاظ الباكستانيون وجاءوا بتفسيراتِ وهابيةِ شديدةِ للدين. وتمت إلى درجة كبيرة إزاحة "العلماء التقليديين المُتَدَرّبين محلياً/الزعماء الدينيين، أو تقويضهم مِن قِبل الأجانب.
إن إنتشار المدارسِ، المدارس الداخلية الدينية المحافظة والمموّلة بمالِ شرق أوسطيِ، في كافة أنحاء جنوب شرق آسيا مُنْذُ ذلِك الحينِ أكد على وصولَ الإسلامِ الراديكالي. وقد وَقعَ حتى بعض الـ پوندوكس أَو المدارس الداخلية الدينية في أندونيسيا، تحت تأثير رجالِ دينٍ أشدُ تطرفاً.
آثار الدكتاتورية العلمانية
إن الدكتاتورية العلمانية تستحق اللومُ أيضاً. فبالإضافة إلى العمليةِ البطيئةِ لتعريبِ الإسلامِ في أندونيسيا، ساهم التمثيل المفرط للمسيحيين وشغلهم للمناصب العامّةِ أثناء إدارةِ سوهارتو في الإنقسام الإسلاميِ-المسيحيِ الذي نراه اليوم في أندونيسيا. وفي محاولتِه لقَصّ أجنحة الإسلامِ السياسي، قلّص سوهارتو الرّئيس الأندونيسي آنذاك مساحة التعبيرِ الديمقراطيِ.
وهكذا، أصبحتْ المساجدَ مركزَ التعبيرِ عن المشاعرِ والنشاطاتِ الإسلاميةِ. بينما أصبحَ المسلمون إنعزاليين وأصوليين أكثر وأكثر، إنتَشرَ هذا التأثير َبين المجموعاتِ الدينيةِ الأخرى. وبعد تفجيرات بالي، شهدت المنطقة إزدياداً في الطقوسِ الهندوسيةِ والنداءاتِ المسيحيةِ الإنجيليةِ.
في السَنَوات الأخيرة عادَ إلى الظهور مطلب أن يطبق المسلمون الأندونيسيونِ قانونَ الشريعةِ، على الرغم مِنْ أنه رُفض مِن قِبل الآباء المؤسسين للبلادَ في الإستقلالِ في 1945. في 2003 كانت هنالك سبع مناطقِ قد طُبّقت فيها قوانينُ أساسهاُ الدين ومن ذلك عملياتِ الحظر على الكحولِ أَو منع النِساءِ من الخروج لوحدهن في الليل.
واليوم هنالك 53 منطقة، أَو أكثر مِنْ 10 بالمائة من مناطق أندونيسيا، تعِيشُ تحت نوع أو آخر من القانونِ الإسلاميِ. ويَُتوقّعُ أن تطبق أماكن أخرى مثل هذه القوانين هذا العامِ.
أعوام دموية
لكن تنوعَ المجتمعِ الأندونيسيِ لَمْ يَسْمحْ بإنتشارِ نسخةَ موحدة للإسلامِ، والتي يُمْكِنُ أَنْ تُؤثّرَ على كُلّ أندونيسي. هنالك فقط نسبة مئوية صغيرة جداً مِنْ الإسلاميين الأندونيسيينِ التي تؤمن بالعنف، لكن ذلك كَانَ كافياً لكي تكون السَنَوات السبع الأخيرة الأكثر دموية في التأريخِ الأندونيسيِ منذ مذابح الستّيناتِ.
أحياناً بسبب تهديدِ مُتَخَيّل، يَتقرّب معتدلون منفتحون ومتعصّبون ويُشكّلونَ جبهة متّحدةَ ذات نفوذِ كبيرِ، وتنشد أهدافاً لَيستْ بنّاءةَ بالضرورة. فقبل سَنَوات قَليلة راجت إشاعة أن المنظماتِ المسيحيةِ كَانتْ تُرسلُ الأسلحةَ إلى مولوكاس لتعزيز القوةِ المسيحيةِ في النزاعِ الثائر وقد حفزت هذه الإشاعة الجهاد الإسلامي بسرعة شديدة وأثارت كذلك، كما يَقُول الناس، المسلمين المعتدلين في القوّات المُسَلَّحةِ.
وعلى إمتداد جاوة، يَشتكي المسيحيون مِنْ إحراق الكنائس والتخويفِ من قبل الميليشات الشعبية المحليةِ. وفي سولويسي قطعت رؤوس ثلاث تلميذاتَ مدارس مراهقاتَ كتحذير للجاليةَ المسيحيةَ.
العديد مِنْ الأندونيسيين لا يؤمنون بالتعريبِ بالكامل ويَنْظرونَ إلى تضخم الشكل الأصولي للإسلامِ كتهديد لطريقةِ حياتهم وإنسجامِهم الإجتماعي الحضاريِ. وليس من المستغرب أن نرى ظهورَ مجموعاتِ إسلامية غيرِ سياسيةِ، أو ما يُدعى الليبراليين والمعتدلين، وهي تتَنَافُس للتأثيرِ بين النخبةِ والطلابِ.
وبينما يُرَحّب في مجتمع حيوي بالمعركة من أجل كسب القلوب والعقولِ، إلا أن التأثيرَ المُتزايدَ للإسلامِ والذي ترافقه طائفية سياسةِ قد غرست بذورَ الإضطرابِ الإجتماعيِ التي تُهدّدُ إستقرارَ أندونيسيا وتُؤثّرُ على جيرانِ أكبر بلادِ في جنوب شرق آسيا .
بالاداس غوشال
ترجمة كامل الزيادي
لقد سَمحَ تنوع المشهد الأندونيسي - من ناحية الإنتماء العرقي والثقافي والمعتقدات الدينية بالإضافة إلى إسلامٍ مشاكس- لتلك البلادِ بمُزَاوَلَة العلمانيةِ وسط ضغوطِ المجموعاتِ الأكثر أصولية لتَبنّي الشريعةِ، أَو القانون الإسلامي.
ولكن العِلاقاتَ الإجتماعية بينَ الأفراد المنتمين الى أديان مختلفة في المجتمعِ الأندونيسي تَتغيّرُ ببطء. قبل فترة ليست ببعيدة كان الأندونيسيون من معتقداتِ مختلفةِ يشاركون بعضهم الآخرِ في الإحتفالات الدينيةِ. ويقال إن رجالُ الدين المسلمين لجأوا إلى "الفتاوى" ضدّ مثل هذه الإختلاط الإجتماعي بينِ الأديان حتى في المكاتبِ.
وقد رَوى لي رجلُ أعمال مسيحيُ أندونيسيُ صدمتُه المرّةُ عندما خَرج موظفون مسلمون في منتصف التسعيناتِ عن التقاليد فجأة ورَفضوا الظهور مَع زملائهمِ في صورة لبطاقةِ تهنئة رأس السنة للشركةَ.
بينما في ماليزيا لا يستطيع أحدٌُ الزَواج من مسلمة بدون إعتناق الإسلامِ، كَانتْ مثل هذه الزيجاتِ شائعة جداّ في يوم ما في أندونيسيا. ولكن تتعرض اليوم تلك الزيجاتِ إلى غضبَ المجموعاتِ الإسلاميةِ المحافظةِ.
وعاظ باكستانيون
إن التحدي الرئيس الأول الذي طرأ على الأسلوبِ الأندونيسيِ للإسلامِ حدث في القرن الثامن عشرِ، على شكل حركة لتَنْقِية الإسلامِ بإزالة الإنحرافاتِ التي زَحفَت إلى الدين جَرّاء التقاليد المحليَّة. يتجلى هذا الصراع في داخل الإسلامِ في القرنِ العشرينِ في أندونيسيا في الإنقسام بين المنظمتين السياسيتينِ الإسلاميتينِ: ما سيومي و نهضة العلماء (علماء ناهداتول) وتدعو ماسيومي لتَنْقِية الإسلامِ وأما نهضة العلماء فإنهاِ تدعم مَزْج الإسلامِ بالتقاليدِ المحليّةِ.
عندما حُرّرَ التعليم في الستّيناتِ، دَرسَ عدد كبير من الأندونيسيين في الخارج. وذَهبَ الطلابُ الدينيون إلى الشرق الأوسطِ، حيث دَرس الكثير منهم الوهابيةً والتعاليم السلفية. ووَصل الوعّاظ الباكستانيون وجاءوا بتفسيراتِ وهابيةِ شديدةِ للدين. وتمت إلى درجة كبيرة إزاحة "العلماء التقليديين المُتَدَرّبين محلياً/الزعماء الدينيين، أو تقويضهم مِن قِبل الأجانب.
إن إنتشار المدارسِ، المدارس الداخلية الدينية المحافظة والمموّلة بمالِ شرق أوسطيِ، في كافة أنحاء جنوب شرق آسيا مُنْذُ ذلِك الحينِ أكد على وصولَ الإسلامِ الراديكالي. وقد وَقعَ حتى بعض الـ پوندوكس أَو المدارس الداخلية الدينية في أندونيسيا، تحت تأثير رجالِ دينٍ أشدُ تطرفاً.
آثار الدكتاتورية العلمانية
إن الدكتاتورية العلمانية تستحق اللومُ أيضاً. فبالإضافة إلى العمليةِ البطيئةِ لتعريبِ الإسلامِ في أندونيسيا، ساهم التمثيل المفرط للمسيحيين وشغلهم للمناصب العامّةِ أثناء إدارةِ سوهارتو في الإنقسام الإسلاميِ-المسيحيِ الذي نراه اليوم في أندونيسيا. وفي محاولتِه لقَصّ أجنحة الإسلامِ السياسي، قلّص سوهارتو الرّئيس الأندونيسي آنذاك مساحة التعبيرِ الديمقراطيِ.
وهكذا، أصبحتْ المساجدَ مركزَ التعبيرِ عن المشاعرِ والنشاطاتِ الإسلاميةِ. بينما أصبحَ المسلمون إنعزاليين وأصوليين أكثر وأكثر، إنتَشرَ هذا التأثير َبين المجموعاتِ الدينيةِ الأخرى. وبعد تفجيرات بالي، شهدت المنطقة إزدياداً في الطقوسِ الهندوسيةِ والنداءاتِ المسيحيةِ الإنجيليةِ.
في السَنَوات الأخيرة عادَ إلى الظهور مطلب أن يطبق المسلمون الأندونيسيونِ قانونَ الشريعةِ، على الرغم مِنْ أنه رُفض مِن قِبل الآباء المؤسسين للبلادَ في الإستقلالِ في 1945. في 2003 كانت هنالك سبع مناطقِ قد طُبّقت فيها قوانينُ أساسهاُ الدين ومن ذلك عملياتِ الحظر على الكحولِ أَو منع النِساءِ من الخروج لوحدهن في الليل.
واليوم هنالك 53 منطقة، أَو أكثر مِنْ 10 بالمائة من مناطق أندونيسيا، تعِيشُ تحت نوع أو آخر من القانونِ الإسلاميِ. ويَُتوقّعُ أن تطبق أماكن أخرى مثل هذه القوانين هذا العامِ.
أعوام دموية
لكن تنوعَ المجتمعِ الأندونيسيِ لَمْ يَسْمحْ بإنتشارِ نسخةَ موحدة للإسلامِ، والتي يُمْكِنُ أَنْ تُؤثّرَ على كُلّ أندونيسي. هنالك فقط نسبة مئوية صغيرة جداً مِنْ الإسلاميين الأندونيسيينِ التي تؤمن بالعنف، لكن ذلك كَانَ كافياً لكي تكون السَنَوات السبع الأخيرة الأكثر دموية في التأريخِ الأندونيسيِ منذ مذابح الستّيناتِ.
أحياناً بسبب تهديدِ مُتَخَيّل، يَتقرّب معتدلون منفتحون ومتعصّبون ويُشكّلونَ جبهة متّحدةَ ذات نفوذِ كبيرِ، وتنشد أهدافاً لَيستْ بنّاءةَ بالضرورة. فقبل سَنَوات قَليلة راجت إشاعة أن المنظماتِ المسيحيةِ كَانتْ تُرسلُ الأسلحةَ إلى مولوكاس لتعزيز القوةِ المسيحيةِ في النزاعِ الثائر وقد حفزت هذه الإشاعة الجهاد الإسلامي بسرعة شديدة وأثارت كذلك، كما يَقُول الناس، المسلمين المعتدلين في القوّات المُسَلَّحةِ.
وعلى إمتداد جاوة، يَشتكي المسيحيون مِنْ إحراق الكنائس والتخويفِ من قبل الميليشات الشعبية المحليةِ. وفي سولويسي قطعت رؤوس ثلاث تلميذاتَ مدارس مراهقاتَ كتحذير للجاليةَ المسيحيةَ.
العديد مِنْ الأندونيسيين لا يؤمنون بالتعريبِ بالكامل ويَنْظرونَ إلى تضخم الشكل الأصولي للإسلامِ كتهديد لطريقةِ حياتهم وإنسجامِهم الإجتماعي الحضاريِ. وليس من المستغرب أن نرى ظهورَ مجموعاتِ إسلامية غيرِ سياسيةِ، أو ما يُدعى الليبراليين والمعتدلين، وهي تتَنَافُس للتأثيرِ بين النخبةِ والطلابِ.
وبينما يُرَحّب في مجتمع حيوي بالمعركة من أجل كسب القلوب والعقولِ، إلا أن التأثيرَ المُتزايدَ للإسلامِ والذي ترافقه طائفية سياسةِ قد غرست بذورَ الإضطرابِ الإجتماعيِ التي تُهدّدُ إستقرارَ أندونيسيا وتُؤثّرُ على جيرانِ أكبر بلادِ في جنوب شرق آسيا .
بالاداس غوشال
ترجمة كامل الزيادي
مجلة "قنطرة" الألمانية
No comments:
Post a Comment