Friday, July 18, 2008

الدين لله والوطن للمصريين فقط

May 2007

أنا مصري مسلم الديانة سني المذهب (هكذا قيل لي مثل كل المصريين)، عمري ٦٠ عاماَ وخريج تجارة القاهرة ١٩٦٧ وخدمت بالقوات المسلحة كضابط بسلاح المدرعات لمدة ٧ سنوات وبعدها عملت بالبنوك الأجنبية لمدة ثلاثين عاما ووصلت لمنصب نائب الرئيس لبنك سويسري وحاليا بالمعاش بعد تصفية أعمال البنك في مصر.

نحن حاليا نعيش في بلد لا يستطيع شخص مثلي عاش عمره فيه وقاتل من أجله أن يتعرف علي هذا المجتمع الجديد في كل شيء وللأسف كان التحول للخلف وللأسوأ بمراحل وسوف أوجز رأيي في بنود:

أولاَ: ونحن في عام ٢٠٠٦ نجد أن المجتمع المصري قد توقف تطوره عند قبيل القرن الخامس عشر الميلادي (قبل عصر النهضة في أوروبا)، ولم يع الدرس ممن سبقنا عندما هالهم ما سببه رجال الدين في أوروبا من مآسٍ للمجتمع فقرروا إنهاء سيطرة رجال الدين ومؤسساته علي مقدرات الشعوب والدول فكانت النتيجة تقدمهم الحالي بدون الافتئات علي حق الناس في التمسك بالدين كخيار شخصي لا ينتقص من قدر معتنقه وفي الوقت نفسه لا يعطيه أي ميزة إضافية قبل الآخرين.

ثانياَ: الدين الإسلامي الذي لا يعترف بالكهنوت، والذي لم يعرف اتخاذ البعض للدين حرفة يتعايش منها، تحول علي يد البعض إلي مجال ارتزاق وهؤلاء أعطوا أنفسهم الحق في تحديد الصواب والخطأ للجميع واتهام المخالفين بالمروق والكفر والارتداد عن الدين لمجرد مخالفتهم في الرأي أو المذهب.

ثالثاً: تماشت الدولة مع هذا الاتجاه وأعطت لهؤلاء مساحات هائلة في الإعلام الرسمي بل واستنت قوانين لمؤازرة هذا الاتجاه مثل مادة "ازدراء الأديان" في قانون العقوبات والتي هي بالضبط "الهرطقة" التي استخدمتها الكنيسة في القرون الوسطي أمام محاكم التفتيش في أوروبا، وهذه المادة تطبق فقط علي المسلم الذي يخالف رأي المتشددين من السنة المسلمين، أما التطاول علي معتقدات الشيعة مثلا أو أي دين آخر فلا يلتفت إليه!، مع العلم أن الدستور المصري يحمي حرية الاعتقاد، أي اعتقاد ومنه الاعتقاد المخالف أو حتي عدم الاعتقاد!!، بل إن الأشد إيلاما أن ترسل الدولة مشروعات قوانين لأخذ رأي الدين فيها قبل إصدارها، بالله عليك ما هو دخل الدين في قانون الرهن العقاري علي سبيل المثال؟!

رابعاً: تـستخدم عبارات مشهورة مثل "من أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة" وأن موضوعا ما "مجمع عليه" لتطبيق أحكام هذا القانون الذي يفترض تطبيقه علي المصريين كافة، فماذا عن الذين ينكرون الدين بكامله مثل غير المسلمين مثلا؟!

خامساً: عندما نقول "مجمع عليه" يجب أن نتذكر أن الذين أجمعوا عليه هم من البشر القابلين للصواب والخطأ، وأن الإجماع علي شيء هو رأي بشري غير ملزم لأحد ولكن للاسترشاد فقط، وأذكر الجميع بأن عدم كروية الأرض وتسطحها كان مجمعا عليه دينيا ولم تعترف الكنيسة الكاثوليكية بخطئها وترد الاعتبار للعالم جاليليو إلا منذ نحو عشر سنوات فقط!

سادساً: تستخدم عبارات مثل "العلماء" لإعطاء هؤلاء مكانة وسطوة علي المجتمع وأحب أن أذكر الجميع بأن العلم هو فقط كل ما يمكن إثباته طبقا للمشاهدات والتجارب مثل الطب، الفيزياء، الكيمياء، الأحياء أما الدين فهو إيمان وروحانيات ووجدان ولا علاقة له بالعلم ويسمي رجاله (إن قبلنا مبدأ وجود رجال دين في الإسلام أصلا) دارسين متخصصين، وليسوا علماء وهو لبس في تعاملنا اليومي باللغة العربية عندما نسأل تلميذ: عندك كام علم السنة دي"، بينما الصحيح "عندك كام موضوع أو مادة السنة دي"، لأن مواد كالتاريخ أو الجغرافيا أو الدين مثلا ليست من العلوم!

سابعاً: بعض مقدمي البرامج التليفزيونية الشهيرة والجماهيرية يصدرون أحكاما قاطعة وتصدر عنهم عبارات ترسخ مفاهيم معينة في عقول المشاهدين بدون الانتباه إلي أنهم يساعدون علي تكريس كل ما سبق ومنها:

< "الدين له رجاله المتخصصون وهم الوحيدون المخولون بإرشادنا إلي ما نفعل وما لا نفعل"! < "أصل إحنا مش متخصصين في الدين"! < "طبعا الموضوع الفلاني ده عليه إجماع"! < "يا جماعة دا الأزهر قال كلمته في الموضوع ده"! < كلمة "فضيلتكم" التي تقال لكل من هب ودب حتي لو كان مدرس ألعاب مثل مرشد الجماعة المحظورة! < بلاش نناقش الموضوع ده عشان مانقعش في غلط!! بكل حزن وأسي علي بلدي مصر أقرر بأنه طبقا لكل ما سبق فإن مجتمعاتنا الإسلامية قد تخلفت بمقدار خمسمائة عام عن البلاد المتقدمة ولم تدخل بعد عصر النهضة، فمتي نعود إلي الطريق الصحيح؟! وهنا نعود إلي السؤال الأول: هل أنت مصري أولا أم مسلم أولا؟! بالطبع ليس ثمة تعارض أو تمازج، لكن أنا مسلم في أي بقعة علي ظهر الأرض، هنا أو في الإسكيمو أو في بنما أو في روسيا أو الصين، لكن علي هذه الأرض لا املك إلا أن أكون مصريا أولا، الدين لله والوطن للمصريين! طارق الخولي من مقال بجريدة الفجر

No comments: