فى الرِق والعبودية... والأديان السماوية
الإستِرقاق خاصِّية اختَصَّ بِها الإنسان - فَلَم نَسمَع عَن حيوان (أو حشرة) يَستَرِق أفراد من نفس فصيلته... وهنا نستطيع أن نميز الإنسان عن الحيوان بإنه »حيوان مُستعبِد« ربما قبل أن يكون »حيوان ناطق« على الأقل من وجهة النظر الزمنية أى أن استعباد الإنسان لأخيه الإنسان سبق نطقه بكلماتٍ مفهومه. وقد بدأت مؤسسة الرق كظاهرة إقتصادية واجتماعية مع بداية الإستقرار المكانى للإنسان واحتياجه لعناصر إنتاج من حيوانات وطيور وأيدٍ عاملة فبدأ فى الإستيلاء على المُستضعَفين من المحيطين به وتسخيرهم لخدمته... وهنا ظهر »الإنسان الماشية« بإستَعباَدَ الإنسان لأسراه كبديل لقتلهم وأكل لحمهم، فاستخدم الرجال للعمل الشاق والنساء للخدمة المنزلية وللتسرى الجنسى بمن توافق ذوقه
ومن الإشكاليات الكبيرة التى يتوقف عندها باحثو اللاهوت والأديان المقارنة هى موقف الأديان السماوية الثلاثة من العبودية... فنجد أن الدين اليهودى يبيح لأتباعه استعباد ال (أغيار) أبد الدهر. وفى نفس الوقت نجده لا يبيح إسترقاق اليهودى إلاّ فى ظروف محددة كعقوبة على السارق إذا لم يستطع دفع التعويض للمسروق. وهنا لا يجوز لليهودى أن يستعبد اليهودى أو اليهودية أكثر من ست سنوات سَبَتِيَّة، ويعتقه فى السابعة... كما جاء فى سفر التثنية: »وإذا بيع لك أخوك العبرانى أو أختك العبرانية، وخدمك ست سنين، ففى السابعة تطلقه حراً من عندك».
أما فى المسيحية فقد شجع السيد المسيح على عتق الرقيق ولكنه لم يلغ العبودية... ثم أعلنت الكنيسة بعد ذلك أن »المساواة هى فى الروح وفى الحياة الآخرة، أمّا الجسد فقد خُلق لهذه الدنيا وعليه أن يخضع لكل ذى سلطان عليه، وأن يتحمّل ما يلقاه من عذابات وآلام مثلما تحمل جسد المسيح«. ومن الثابت أن المسيحية لم تُبد أى اعتراض على مؤسسة الرق، لا من وجهها السياسى ولا من وجهها الإقتصادى، ولم ترد بها شبهة اعتراض على ما يتمتع به أصحاب الرقيق من حقوق على رقيقهم، ولم تكن فى مضامينها دعوة لتحرير الرقيق لا فى أيام المسيح عليه السلام ولا أيام حواريه ولا أيام الكنائس على اختلاف مذاهبها
أما فى الإسلام فنجد أنه مع التشجيع على عتق العبيد المتكرر إلاّ أنه لم يرد أى نص صريح يُفهم منه »تحريم« عبوديّة الإنسان، مسلماً كان أو غير مسلم... بل على العكس... نرى أنه هناك العديد من الآيات والأحاديث الشريفة تنظم حقوق وواجبات العبيد وعلاقتهم بالأحرار، لدرجة أنه (على سبيل المثال وليس الحصر) قد نُص فى الآية 50 من سورة الأحزاب على إنه حلال على الرسول وطء زوجاته (الآتى أوتين أجورهن) وما ملكت يمينه من الجوارى الكتابيات أمّا الجوارى المجوسية والوثنية فيجب إستبراءهن قبل وطءهن. ويحل له وطء بنات عمه وعماته وخاله وخالاته المهاجرات معه بخلاف من لم يهاجرن معه، كذلك أى إمرأة تهب نفسها له، فيكون له وطءها إذا أراد وبدون مهر... ألأمر الذى يؤكد اعتراف الإسلام بالرق، ولا نجد نص يعبِّر عن أى غضاضة فى استعباد الرجال والتسرى الجنسى بالجوارى وحرية التصرف فيهم سواء بالبيع أو الإهداء أو التوريث
حتى إننا نجد أن الرسول نفسه قد اقتنى العبيد والجوارى نذكر منهم العبيد: زيد إبن الحارثة - أسلم - أبو رافع - ثوبان - أبو كبشاه سُليم - شقران (صالح) - رباح (نوبى) - يسّار (نوبى) - مدعم (نوبى) - كركرة (نوبى) - أنچشاه الهادى - سفينه إبن فاروق (مهران) - أبو مشره (أناسه) - أفلح - عبيد - قيزان (تهمان) - دقوان - مهران - مروان - هنيم - سندار - فضله (يمنى) - معبور (خصى) - واقد - أبو واقد - قسّام - أبو عصيب - أبو موايابه... وآخرين... ومن الجوارى: أم أيمن - سلمى (أم رافع) - ميمونة بنت سعد - خضرة - رضوى - رزينة - أم دميره - ميمونه بنت أبى عصيب - ماريا القبطية - ريحانة - جويرية - صفيّة بنت حيى... وآخريات
أخيراً... لولا قيام الثورة الفرنسية والأمريكية فى نهاية القرن الثامن عشر وكتابات چان چاك روسّو وغيره من المفكرين الليبراليين التى نادت بالحرية والمساواة ولو لم ينتصر الشمال على الجنوب فى الحرب الأهلية الأمريكية فى منتصف القرن التاسع عشر وهو الأمر الذى تبعه صدور قوانين تحريم العبودية فى العالم كله وخُتم فى 1953بقرار من الأمم المتحده، لكان هناك سوق نخاسة فى كل مدينة بل وفى كل قرية فى القرن الواحد والعشرين بغض النظر عن دين البلاد
أصبح السؤال المحيّر هو: لماذا لم تحرِّم الأديان السماوية الثلاث العبودية بنص صريح قاطع ملزم؟ وهى فى رأى الكثير من الباحثين والدارسين نقطة إشكالية خطيرة... والرد بأن التشجيع على عتق الرقاب هو تدريج للوصول إلى التحريم هو رد غير مقبول حيث أن هناك من الأمور الأخرى أقل أهمية وأضعف أثراً فى المجتمع تم تحريمها دفعة واحدة وبنصٍ صريح قاطع ملزم
مؤرخ وباحث
No comments:
Post a Comment