الطائفية الكبرى والطائفية الصغرى
لااعلم لماذا يصر العالم العربي والاسلامي على انه يمتلك الجسد البرونزي في هذا العالم، وانه شعب الله المختار، وانه يتلقى بركة الله في كل صغيرة وكبيرة؟
انما تقاس الامم بقدر مساهمتها في الحضارة، والسؤال: ماذا قدمنا نحن للحضارة؟
نعم اجدادنا كان لهم دور، ولكن الى متى سنظل نعتاش على هذا الماضي؟ انه بمثابة اقراص بنادول تخرجنا من وجع الراس والسؤال!
الطائفية ضاربة فينا من رأسنا الى اخمص قدمنا. ودعونا اسميها الطائفية الكبرى والطائفية الصغرى.
الطائفية الكبرى هو ادعاؤنا اننا المسلمون نستحق الحياة دون غيرنا من الامم ،واننا الافضل بين كل الامم والشعوب. والطائفة الصغرى هو ان يرى صاحب كل مذهب مذهبه الافضل، وبقية المذاهب ماهم الا خردة متناثرة من على عجلة التاريخ.
تقدم لنا الطافئتان في سندويشات الصباح، تلف للاطفال في داخل الاسرة ،وفي افطار الصباح، وافطار التعليم حتى الجامعة.
اغلب خطباء مساجدنا يسبحون في كلا البحيرتين من الطائفية الكبرى او الصغرى. لهذا لن يكون هناك افق في عالم الحداثة في العالم العربي مالم نلق معطف الطائفية من النافذة وننهي هذه الثياب القديمة التي يخرج منها غبار التاريخ.
يقول المهاتما غاندي: ((جميع المعتقدات والافكار محل تقدير، وفي النهاية الجميع هنود)).
ورتل هذه العبارة الشعب الماليزي فقالوا: جميع المعتقدات والافكار الصينية والملاوية والهندية محل تقدير وفي النهاية الجميع ماليزيون. لماذا لانستفيد من التاريخ؟ رأيتم كيف حولت عنترية اليابان بلادهم وماذا فعلت بها؟ وماذا فعل بها الاقتصاد والانتاجية والسلم؟
ماذا كانت نهاية المانيا بعد سوبرمانيتها غير الهزيمة؟ لماذا لانستفيد من تجارب الشعوب، فلانقع في ذات المصيدة من تكرار الهزائم والاخطاء، لماذا لانعمل على استبدال هذه العقليات التي لم تنجب لنا الا الكوارث والازمات؟
نقول اننا افضل الامم والشعوب ،ولااعلم لماذا كل هذا الانتفاخ، وعلى ماذا؟ الاحصائيات تكشف ذلك، وكل ذلك بسبب الثقافة الشرقية ،التي لاتقبل النقد ولاالتحليل ولاالمراجعة.
من الجامعة الى التمثيل الى الرياضة نحن متأخرون.
في احصائية لافضل الجامعات في العالم، من خمس مائة جامعة لم تتضمن القائمة ولاجامعة عربية واحدة!! اليس هذا يدل على مؤشر التخلف؟
ان افضل جامعات في العالم وردت في القائمة هي جامعات غربية، فقد نالت جامعة هارفارد الامريكية المركز الاول، ثم تلتها جامعة ستانفورد في المركز الثاني، ثم كيمبردج البريطانية المركز الثالث. الغريب ان اسرائيل حصلت على المرتبة الثانية عشر رغم ان عدد سكانها لايتجاوز الستة ملايين، وحضيت ب7 جامعات من خمس مائة جامعة.
بمعنى اسرائيل تفوقت على كل العالم العربي في التعليم. لماذا اسرائيل تشتغل على التسليح، وتشتغل على التعليم والطب والتحديث لدولتها وهي المغتصبة، ونحن في العالم العربي ليس لنا الا الكلام والتراشق من على المنابر ونشر الغسيل لصراعاتنا الطائفية؟ اين هي جامعاتنا العربية؟
حتى في الازياء حقق مصمم الازياء توم فورد الامريكي جائزة افضل مصمم دولية في العالم، وطيلة الاعوام التي مضت لم يفز ولاعربي واحد.
وفي احتفالية الفيفا طيلة هذه السنوات بافضل لاعب، لم يفز ولاعربي واحد في حين نجد الارجنتين تفوز بمارادونا ونالت اللقب هي والبرازيل اكثر من ثلاث مرات. ولوعاش زين الدين زيدان في العالم العربي لاحبط ولم يفز باللقب ذات يوم، لان مجتمعاتنا تقتل المبدعين ولا تعبأ باحد ولو ان لوحة الموناليزا رسمت من قبل مبدع عربي لوجدتها بابخس الاثمان وقد تباع في الاسواق الشعبية. انها بالتأكيد ثقافة التأدلج التي تضع مبدعينا في فراماتها المؤدلجة فترفض كل فنان وموسيقار ورياضي ومبدع وكل ذلك باسم الدين.
والسؤال: لماذا في احدى الدراسات الغربية ظهرت عبر التقييم، الدانمارك اسعد بلد في العالم وبروندي اتعس بلد في العالم؟
لنا تاريخ وساهمنا بالحضارة، ولكن السؤال ماذا لدينا الان؟
اليابان بلا تاريخ، وسنغافورا بلا تاريخ ، فللنظر اين وصلوا. ماهي فائدة التاريخ اذا اصبح يتفجر فينا قنايل مسمارية مؤدلجة؟ مافائدة التاريخ اذا خرب ديكور حياتنا واحرق اثاث عصرنا، وذبح الجمال على مسلخ الايديولوجيا فكره لنا الحياة؟
ان حصيلة عمر امريكا لايتجاوز المئتين عاما، ورغم ذلك نجد تصدرقواها الكبيرة من جامعة هارفرد العملاقة الى هولوود حيث الابداع، الى ماكروسوفت، فما الذي انتجناه نحن غير المحاكم الاسلامية في الصومال وحركة طالبان في افغانستان وجيش المهدي في العراق؟
اقول لمن يحتجون بالتاريخ: ان الفتى من قال هاانذا.
في امريكا وبعض الدول الغربية يوجد قانون في غاية الاهمية، قانون (حرية الاستعلام). توفر الهيئات الحكومية سجلات عامة لمن يطلب الاطلاع عليها ،لهذا حتى اسرار حرب فيتنام متوفرة الان. والسؤال: هل لنا ان نسأل هنا عن الذباب الازرق المنتشر على اوساخ الفساد الاداري والمالي في بعض المؤسسات العربية؟
نحن امة الكلام، فعدد خطاباتنا عن فلسطين بعدد سكان الصين، وكانت النتيجة حروبا اهلية، تذكرنا بالحروب الاهلية الاسبانية. والسؤال: لماذا رغم كل الاختلافات في اسرائيل لانجد حروبا اهلية اسرائيلية بينهم؟
ونحن نفرم بعضنا بعضا مثل الكبة اللبنانية؟
المشكلة، اننا حتى لوتاثرنا فلا نتاثر الا بالشعارات فقط.
هل تسألون انفسكم، مالافارق بين الحزب الشيوعي الصيني، واحزابنا الشيوعية العربية؟ الاول جعل منتجات الصين منتشرة في كل العالم، والثاني عندما حكم جعل كل ابناء الوطن الواحد مغربين في العالم.
ولن يكون وضعنا افضل لو حكمنا الاسلامويون او رجال الدين سواء من السنة او الشيعة. ولكم ان تشهدوا حكم رجال الدين في ايران او حكم الطالبان او حكم المحاكم الاسلامية في الصومال. الم اقل لكم ان الدولة المدنية هي الحل، واننا ان اردنا حفظ الدين والاديان والمذاهب والاعراق، فلابد من مظلة حكم مدني. ولنسأل: ايهم اكثر امنا، المساجد في باكستان ام في اوربا؟
ان النازية مرض بدأ ينتشر بشكل مخيف حتى اضحى عندنا احزابا دينية تذبح الابداع باسم الدين والدين منها براء.
فاننا لو فصلنا رجال الدين من سلطتهم لتحولوا الى حملة مباخر، ولكني مؤمن ان الحل يكون بحركة سوسيولوجية ثقافية مزرقة بجينات مارتن لوثر. نحن بحاجة الى خطاب الصدمة وبحركة احتجاجية اصلاحية لفصل رجال الدين من تسييس الدين وتحويل هذا الدين الجميل الى دكان لبيع الجبب الحزبية. فالرسول والانبياء والمصلحون جاؤا رحمة للامة ولنشر المحبة والسلام، ولتكريس ثقافة الحب وليس ثقافة الاحقاد.
ان التعصب والتشدد والاستمرار في مسلسل الاستقواء بالتاريخ ،ونبش جثث الماضي، جعلنا نتعثر ،ونسقط على الطريق حتى اضعنا طريق الحضارة.
نحن اصبحنا افضل من بقية الشعوب. نعم. افضل في ماذا؟
نسبة التزوير في الانتخابات. فنسبة المشاركة وصلت الى 99.99 وكما يقول الاديب السوري محمد الماغوط: هذه النسبة لاتحدث حتى في طوائف النمل والنحل والبراغيث !!
اكثر نسبة امية في العالم هي بيننا. فنسبة الاميين وصل الى 70مليون امي في العالم العربي.
حتى في الاعاقة يوجد في العالم 650 مليون معاق،كثير منهم من العالم الثالث. وكثير من هؤلاء المعاقين ضحايا حروبنا الاهلية ،ونزاعاتنا حتى اصبح دم المسلم ارخص من عصير البنادورة. كم تخلف هذه الانفجارات في العراق من المعاقين؟
لست هنا شعوبيا، فانا عربي ومسلم ،ولست مازوخيا اتلذذ بايقاع الالم على الذات، ولكني مؤمن بضرورة النقد لكي نخرج من غيبوبتنا والاعتراف بالاخطاء. والاقرار بها هو بداية التغيير.
مادمنا نعتقد اننا العظماء ،وتاريخنا عظيم ،واننا فوق البشر ،وان الجنة وحدها لنا واننا -رغم كل هذه الاوجاع- افضل امة تستحق الحياة فلن يتغير الامر.
فلنخرج من طائفيتنا الكبرى لنتحرر من طائفيتنا الصغرى.
ضياء الموسوي
Sunday, November 11, 2007
17 comments lost
No comments:
Post a Comment