Monday, July 28, 2008

قصة قصيرة توجع القلب

July 2007
حكاية الأستاذ موريس

الباب المغلق باب شقة صغيرة في الطابق الأول بحي الظاهر يسكنها الأستاذ موريس محاسب في أحد البنوك وزوجته مدام جانيت التي تعمل في مدرسة لغات. الإثنان تجاوزا سن الإنجاب دون أن يكون لهما ولد، لكنهما قانعان بحياتهما التي تمضي في هدوء، في العمارة بواب من أسوان يسكن أسفل السلالم ، توفيت زوجته وتركت له ابنة وحيدة صغيرة هي هدى، التي كانت تشتري للسكان وخاصة للأستاذ موريس حاجاته من المحلات القريبة.

موريس وجانيت أحسا – وهما المحرومين من الأولاد - بعطف على هدى التي لا تطلب شيئا وتبتسم منبهرة من أي شيء تتلقاه. هدى كانت تجلس في ساعات العصر في صالة شقة الأستاذ موريس على حافة فوتيه تتفرج بالتلفزيون، وتأكل من الموجود، وأحيانا تبيت على أرض الصالة إذا عرض فيلم عربي طويل أو مسرحية. ولم ير أبوها في ذلك مشكلة، فالشقة في الطابق الأول بجوار السلالم والأستاذ موريس رجل طيب وكبير في السن، والبنت طفلة صغيرة في السابعة.

وذات يوم، يموت أبو هدى في الليل على فرشته، وحده، بعد رجوعه من المستشفى بساعتين. وينتبه سكان العمارة فجأة إلي أنهم لا يعرفون للرجل لا بلدة ولا أقارب ولا عناوين سوى ذلك الجحر المعتم تحت السلم، بل ولا يعرفون حتى اسمه بالكامل! ويتولى أبناء الحلال دفنه، وتبقى هدى في صالة الشقة تبكى بعين وتتابع لقطات من الأفلام بعين، ويطيب الأستاذ موريس ومدام جانيت خاطرها بالكلمات وقطع الحلوى. يوم بعد يوم، أصبحت إقامة هدى عند الأستاذ موريس أمرا مسلما به تقريبا. وشيئا شيئا يتنقل الكلام في الشارع من محل المكوجي، إلي محل البقال، ومن صاحب البقالة إلي دكان العصير، ثم إلي المقهى، وإلي البيوت وسكانها: الأستاذ موريس واخد البنت الصغيرة وح يخليها نصرانية! ح يعلمها على طريقتهم!

صيدلي الأجزخانة المجاورة يناول الأستاذ موريس علبة دواء ذات يوم، ويغمزه بالمرة بسؤال بريء من الظاهر: أخبار البت هدى إيه يا أستاذ موريس؟ مش الحمد لله بخير؟ ويدرك موريس المقصود، وينصحه زميل له بأن يطرد البنت لكي لا يصبح بقاؤها عنده مثار مشكلة في الشارع، والحي، وربما أبعد من ذلك النطاق.

الأستاذ موريس ضميره يعذبه، كيف يطرد طفلة إلي الشارع وهي بلا أهل؟ ولا سند؟ ولا أقارب؟ لكن النظرات التي تلاحقه على امتداد الشارع تجبره على اتخاذ قراره، رغم دموع زوجته، لكن ماذا يقول للبنت؟ . يناديها ويشرح لها أنها لا تستطيع أكثر من ذلك المعيشة عنده وأن عليها أن تغادر الشقة، البنت تبكي ولا تفهم، مرة وأخرى ثم يجذبها من ذراعها بالقوة ويضعها خارج باب الشقة. البنت ملتصقة بالباب المغلق تخمشه كالقطة تبكي: أنا زعلتك في حاجة ياعم موريس؟ والنبي دخلني. وتفر دموع عم موريس وراء الباب المغلق يقول: ما أقدرش يا بنتي .. والعدرا ما أقدر. والنبي، والعدرا، والنبي، والباب مغلق، وخلف كل ناحية شخص وحيد.

ترى كم من باب كان مفتوحا ثم أغلق؟
***
أحمد الخميسي . كاتب مصري
Ahad_alkhamisi@yahoo.com

2 comments lost

No comments: