Monday, September 17, 2007
كانت القاهرة عاصمة الشرق وبوابته الرحبة، حين كانت مصر قادرة على صناعة أيقونات حضارية من وزن توفيق الحكيم وطه حسين والعقاد وعبد الرحمن بدوي ولويس عوض ونجيب محفوظ وأم كلثوم وعبد الوهاب وليلى مراد ومئات غيرهم ممن شكلوا وجدان وذائقة كل شعوب المنطقة.غير أن مياها كثيرة جرت في النيل، وسالت على ضفافه دماء ودموع، فأصبحت مصر الآن تنتج أيمن الظواهري وأبو أيوب الإرهابي، والشاب عمرو خالد وغيره من وعاظ "الروك أند رول"، وخرج علينا من يبشرنا بما يسمى "السينما النظيفة" والأدب الإسلامي، واختفت معظم نساء مصر خلف أزياء مستوردة من صحاري التخلف، بعد أن جرت عملية تدليس كبرى بإسباغ الصفة الدينية عليها، وأصبح الشاب اليافع في العشرينات من عمره يفكر في الجنة، بدلاً من أن يعمل لدنياه ويسعى لصنع فردوس أرضي، كما فعل أبناء أمم أخرى تجاوزتنا، حين حولوا بلادهم إلى جنات في متناول الجميع، دون تجهم ولا كآبة، ولا متاجرة رخيصة بشؤون السماء وتدابيرها.
تشغلني كثيراً هذه الأيام تفاصيل حالة الانحطاط الحضاري التي انزلقنا إليها في مصر خلال العقود الماضية، وكيف تحولت مصر خلالها من منصة لإطلاق الحريات والفنون، وبورصة للأفكار والإبداع، إلى مخزون هائل للتعصب والكراهية، وانعدام الرغبة في الحياة والانسحاب منها، وراح أشرار قدموا من كل حدب وصوب ينفثون سمومهم من أجل تعميق هذه الحالة في مصر، وهكذا تربعت على عروش قلوب الشباب أسماء من فصيلة "أبو الأشبال السلفي، وأبو سراقة الأثري"، بعد أن كانت تلك القلوب مسكونة بعشاق الحياة، وباختصار أصبحنا الآن في مصر من أكثر شعوب المنطقة كآبة، وصار المصري المرح مجرد تراث، وأصبحنا مستفزين لدرجة التلذذ بإيذاء بعضنا البعض، حتى لو لم نحقق من ذلك أي منفعة.
وهكذا كان منطقياً أن تصبح أيامنا مثلنا كئيبة، نتلقى كل يوم فيها صفعة ممن راهنا عليهم، وتحدينا العالم من أجلهم، ونكتشف مع كل طلعة شمس أننا أخطأنا في حق أنفسنا كثيراً، حين أهملناها من أجل آخرين لا يستحقون.. خذلونا في أول اختبار حقيقي.
مختار من مقال بعنوان: أنغام مصرية
نبيل شرف الدين - مصر
كاتب - إيلاف
هذا هو ما يريدونه لمصر، فهل نتركهم ينالون منا؟
1 Comments lost
1 Comments lost
No comments:
Post a Comment