Thursday, July 17, 2008

الجميلة والوحش

April 2007


الجميلة هي الديمقراطية التي تعرف عليها الإنسان العربي مع توافد المستعمر الغربي، والذي يتمنى كثيرون عودته بعد أن ذاقوا مرارة الحكم الوطني. والوحش هو الجماعات الدينية التي استولت على الديمقراطية بعد أن تغلغل الفكر الديني في مفاصل المجتمع بعد أن فشلت الشعوب العربية في امتحان الديمقراطية الغربية ومجال التطور الحضاري. هذه الجميلة التي سرحت ومرحت في مرابع المجتمعات العربية طوال الخمسينيات والستينيات وبداية السبعينيات، أخذت تتعرض للافتراس على يد الجماعات الدينية، وآخر ضحايا هذا الافتراس يحدث في البحرين الجميلة الآن، كما حدث في الكويت من قبل، ولن يطول الأمر حتى تتكرر المأساة في دولة الإمارات العربية المتحدة ما لم يتدارك النظام السياسي الأمر بتحجيم الجماعات الدينية بمنعها من الترشح للانتخابات وفق مسمياتها الدينية، أو منع استخدام الاطروحات الدينية في هذه الانتخابات. ومما يؤسف له أن الشعوب العربية تشاهد هذا الوحش وهو يقوم بعملية الافتراس ولا تحرك ساكنا خوفا من الجماعات الدينية، أو طمعا في أوساخ الدنيا المادية من أموال ومناصب ونفوذ. ولقد تجسد الوحش من خلال القوانين المقيدة للحريات الفكرية الواردة في قوانين الجزاء التي تجرم الأفكار وتضعها في دائرة الجنايات والجنح، وكذلك قوانين المطبوعات والنشر، وفي قوانين الفصل بين الجنسين في التعليم الجامعي، والوحش يزحف اليوم لتمزيق التعليم الخاص، إضافة لما قام به هذا الوحش من تشويه للتعليم المدني تحت شعار الأسلمة، فما عاد التعليم المدني مجالا لإعمال الفكر الحر أو التفكير المنطقي، وأصبح لاستخدام المقولات الدينية الغلبة في المناهج الدراسية بما فيها العلمية.

كذلك لم تسلم الدساتير من هذا الافتراس بالدعوة لتغييرها من أجل إقامة الدولة الدينية، وتزايدت الدعوة لأسلمة القوانين وفقا لوجهة نظر الجماعات الدينية أيضا حتى لو تعارضت مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بل وأخذت الجماعات الدينية في العمل على تشويه هذا الإعلان الإنساني! ولا يبدو أن هذا الوحش سيشبع يوما ما مادامت الأنظمة العربية تستفيد من وجوده للقضاء على الحريات الفكرية واستمرارية الاستبداد الذي يؤيده هذه الجماعات إرضاء للأنظمة الاستبدادية ما دامت هذه الأنظمة تخدم مصالحها. ولذلك سيستمر هذا الوحش في افتراس كل ما هو جميل وصالح في المجتمعات العربية، وسيكون ليلا طويلا على المدى المتوسط، خاصة حين تستلم هذه الجماعات السلطة التنفيذية في البلدان العربية.

وفي ظل هذه الاستكانة العربية وخنوع الشعوب العربية للفكر الديني لا يبقى مجال للقضاء على هذا الوحش إلا بالجهد الدولي الذي يديره الغرب من خلال العولمة، التي ستصل إلى نقطة مفصلية تاريخيا لتقتنع أن الوقت قد حان للقضاء على هذا الوحش. والوضع الآن في العالمين العربي والإسلامي يشبه ما نشاهده في عالم الحيوان حين يمسك الوحش الضاري بالفريسة بين أنيابه، والفريسة لا تزال حية، حيث يتسلى الوحش بها فترة من الزمن قبل القضاء عليها. وهذا ما سيحدث للعالم العربي إذا لم تتحرك الجهود الغربية لإنقاذ الجميلة من براثن الوحش... ه


د. أحمد البغدادي - الكويت
كاتب وأستاذ جامعي ومفكر ليبرالي

No comments: