
Saturday, May 5, 2007
العنف الاسلامي ظاهرة خطيرة عانت منها جميع المجتمعات الاسلامية قديما وحديثا، فمن عنف الخوارج الى عنف جماعة القاعدة: مسلسل واحد مترابط الحلقات متحد في الأهداف والغايات والمضمون والممارسات، ولأن العنف الاسلامي ظاهرة دينية بحتة مجردة عن الهوية الجغرافية أو الإقليمية أو الزمنية فمن الطبيعي أن نجده حاضراً في أي مجتمع بشري: اسلامي أو غربي، فبعد مصر وسورية والجزائر ولبنان واليمن والأردن وتونس وفرنسا وأمريكا... الخ بدأ العنف الاسلامي يضرب السعودية ... ه
ولسنا الآن في معرض مناقشة العنف الاسلامي كظاهرة وتحليل مضمونه، فقد كُتب الكثير في هذا الجانب، وما يهمني في هذا المقال هو مناقشة طريقة تعامل المؤسسات السعودية (الحكومة والاعلام والفقهاء والاكادميين..) مع مشكلة العنف الاسلامي السعودي، فعلى مدى شهور طويلة كانت قضية العنف والتطرف الاسلاميين الشغل الشاغل للمجتمع السعودي، وكثُرت التحليلات والدراسات والندوات التي ناقشت تلك القضية وحاولت أن تفسرها وتحلل أسبابها ودوافعها، وجميع تلك الجهود الفكرية والأكاديمية والحكومية أجمعت على إدانة التطرف الفكري وتجريم العنف الاسلامي (وهذا ما نتفق عليه جميعاً دون أي خلاف أو جدال) ولكن ما استرعى الانتباه هنا هو تجاهل تلك الجهود البحثية للأسباب الحقيقية التي أنتجت واقع العنف الاسلامي في السعودية، بل ان بعض الدراسات والتحليلات حاولت أن تلقي تبعة التطرف والعنف المعاش اليوم على عناصر خارجية، فسمعنا من يعتبر فكر التكفير (فكراً غريباً وافداً الى السعودية من الخارج !!) وأن منظري تيار العنف في السعودية أشخاص غير سعوديين (أبو محمد المقدسي وسيد قطب..) أو سعوديين يعيشون في الخارج ويأتمرون بأمر الغرب!!.. والسؤال الذي يُطرح هنا: هل التطرف الاسلامي السعودي نبت غريب وافد من الخارج أم أنه صناعة سعودية خالصة؟؟ وهل فكر التطرف والتكفير الذي يوصف اليوم في الدوائر الرسمية بـ (الغلو) هو نبت غريب شاذ لم يألفه الاسلام السعودي أم أنه الركن الأساسي والمحوري في الخطاب الاسلامي السعودي؟؟ وهل العنف المسلح الذي يدمي المجتمع السعودي اليوم ظاهرة غريبة غير متوقعة أم أنها النتيجة الحتمية لتراكمات من فكر التطرف والارهاب الاسلامي السعودي؟؟
بداية لا بد من التأكيد على رفضنا الكامل والمطلق لفكر التكفير والتطرف مهما كانت هويته، وتجريمنا للعنف الذي يستهدف الابرياء في كل مكان (باستثناء الكفاح الوطني المسلح) ولكن.. لا بدّ أن نكون صريحين وواقعين عند مناقشة واقع التطرف والعنف في المجتمع السعودي، فإذا كنا جادين بالفعل في البحث عن أسباب فكر التطرف والتكفير في السعودية فلن يكلفنا الأمر سوى زيارة سريعة لأي مكتبة من المكتبات المنتشرة في أرجاء السعودية!!، اذ تفيض مكتبات السعودية بركام من الكتب التي تكرس فكر التطرف والتكفير وبأقلام سعودية خالصة، بل وبرعاية حكومية رسمية ايضاً!! فمن الواضح أن التكفير والتطرف الفكري أو ما بات يسمى رسميا بـ (الغلو) ما هو الا ترجمة صادقة وأمينة لأدبيات رسمية وشبه رسمية، بعضها تراثي وبعضها معاصر، تربى عليها المواطن السعودي على مدى عقود من عمر السعودية كرست ثقافة التطرف والتكفير وإقصاء الآخر، والمتابع لأدبيات الخطاب الإسلامي السعودي الرسمي وشبه الرسمي سيصدم بكم هائل من قيم التطرف والانغلاق واستسهال اتهام الآخر (المسلم قبل غير المسلم) بالضلال والمروق بل والكفر لأبسط خلاف وأتفه الأسباب، وتتجلى مظاهر التطرف الفكري والاقصائي في الخطاب الاسلامي السعودي في النقاط التالية : ه

ثانياً: ضمن الدائرة الفكرية العامة: لا يعترف الخطاب الاسلامي السعودي بالتعددية الفكرية أو الدينية، اذ تختفي عند فقهاء السعودية قيم الحوار والتسامح الفكري واحترام الرأي الآخر لتحل محلها عقلية اقصاء الآخر والغائه ورفض الاعتراف به أو التعايش معه، فكل فكر لم ينطلق من منطلق اسلامي سلفي فهو الكفر والمروق والضلال والعياذ بالله!! والطريق الوحيد للتعامل مع مثل هذا الفكر غير الاسلامي هو: القمع والاقصاء، ولا يوجد ما يمنع من اقامة حكم الله في مروجي هذا الفكر الكافر: القتل!!.. وتكفي مراجعة سريعة للموسوعة التكفيرية المسماة (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب) لنجد ان محرري هذه الموسوعة قد حاكموا جميع التيارات الدينية والمذاهب الفكرية والمدارس الفلسفية، وأصدروا حكما قاطعا ونهائيا بخروجها عن الاسلام، ومثلها كتاب (معاول الهدم والمنكرات) لخالد بن علي الحاج وكتاب (فتاوى علماء البلد الحرام) والذي ضم فصلا كاملا حمل عنوان (أحكام الكفار!!).. وقس كل ذلك آلاف الكتب المطبوعة في السعودية والمخصصة لتكفير مسميات (العلمانية أو الجاهلية الحديثة كما تُسمى والعصرانية والتنويرية والحداثة...الخ) وهي عبارات فضفاضة جدا في الخطاب الاسلامي السعودي ويمكن أن تستوعب جميع الكتاب والمفكرين الليبراليين وحتى الاسلاميين غير المنتمين للخط السلفي البازي... ه
وفي ظل مثل هذا الجو الفكري المشبع بثقافة الكره والتطرف والتكفير والمشحون بعقلية اقصاء الآخر والغائه كلياً يأتي العنف المسلح كنتيجة طبيعية وثمرة حتمية لهذا الواقع الفكري، بل لا نغالي ان قلنا: ان الفارق الوحيد بين الخطاب الاسلامي السعودي الرسمي وشبه الرسمي وبين خطاب تيار القاعدة – بن لادن أو ما يسمى في الاعلام الرسمي بـ (لفئة الضالة!!) انما يكمن في نقطة واحدة فقط وهي أن التيار الأخير يكفر المؤسسة الحاكمة في السعودية في حين يمتنع التيار الأول عن ذلك، وفيما عدا ذلك يقف التياران على ذات الأرضية التكفيرية للأخر ويعبران عن ذات النظرة المنغلقة التي تفتقر الى التسامح. ه
باختصار ... ه
السعودية اليوم تحصد ما زرعت في سنين... ه
شهاب الدمشقي
الحوار المتمدن
No comments:
Post a Comment